خربش أو لا تخربش..
الدجال مغربي الأصل.
لقد انتهت المسافة بيني وبين حديقة العار، أنا واحد من زوارها، الخربشات الآن ليست على الجدار، أسبوع واحد معـ..ها كان كافيا لحملي على حجز كرسي خاص بي في مقهى "الميح" كأس شاي منعنع أو لا شيء، حسب طول اليد وقصرها، المقهى ضيق جدا، أصله بيت للسكن، واجهة واحدة تطل على شارع خرب ليس له اتجاه واضح، بضع طاولات؛ واحدة تعاني نقصا في أحد أرجلها، على الجالس أن يضيف قطعة خشب أو كومة ورق، أو يسمح بشقلبة كأسه، وطاولة أخرى بها ثقب مغطى بورق، حدثني بوعلي قائلا إن سكيرا ذات يوم هوى على الطاولة بقنينة الويسكي، فتطايرت القنينة أجزاء وتسببت في ذلك الثقب، شكرا أيها الويسكي؛ تخرب العقول والطاولات، وتقدم البائع والمشتري للمحاكم، وتعلي شأن الصانع، يحيى الويسكي. يحيى المخزن. تحيى الديمقراطية المغربية. يحيى العدل المغربي. الكراسي أيضا بها كسور، بعضها تم ترقيعه بأسلاك والبعض الآخر تم دمجه مثنى مثنى. يعد الميح الوجبات الخفيفة أيضا والبيض المسلوق، لكن الزبناء لهم شرطهم، يأكل الواحد بيضتين أو ثلاثة في آن، ويطلب سندويشا بالمناصفة، فينتظر الميح حتى يأتي طالب آخر للسندويش فيعد لهم واحدا قسمة بينهم، فويل للجميع حين تكون القسمة غير عادلة، بين فينة وأخرى يدخل طفلان، يجر أحدها الآخر أو يجر شيئا أو يحمل لعبة، يجلسان في حجر الميح، يداعبهما ويلاطفهما، ثم يعطيهما بيضة مسلوقة لكل واحد. ينصرفان وننتظر عودتهما، بالألفة ننتظر، ربما بالفطرة ينتظر المغاربة.
  رواد المقهى لا يتجددون، وجوه مألوفة، أعرفهم واحدا واحدا ولا أعرف إلا بعض الأسماء؛ فاهم، علي، جواد، كمال، ورشدي الذي هو صديقي ومرشدي أيضا في دهاليز هذه المقهى، الوجوه مألوفة معدودة وكذلك المواضيع التي يناقشونها؛ مباريات كرة القدم، كوت فوت، كينينا، الشقوفة، منهم من يحمل مطويا أو اثنين، ومنهم من لا يحمل مطويا، أحيانا تجد أربعة أشخاص أو أكثر يدخنون الكيف في مطوي واحد، يدور بينهم ويغازل شفاههم، أكرمهم معه من يعمر شقفا واحدا ثم يسعى في تنظيفه، والبخيل من يعمر شقفا تلو شقف ثم يمده لصديقه عامرا. صبرا أيها المطوي صبرا، أنت السبيل الوحيد للمتعة الآن عليك أنت أيضا أن تنتظر صديقا يعينك على إحراق القلوب ومص الشفاه، يدخنون الكيف لأنه غير مكلف ماديا ويعطي تبويقة أكثر، وعندما يتبوق المتبوقون يكون للحياة لون أخر. يا معشر الشباب تبوقوا ولا تفكروا في مستقبلكم، إن أحسنكم عند الدولة أكثركم تبوقا، طوبى للمتبوقين. أتبوق أنا أيضا معهم بالتأمل فيهم، أصبحت مدمنا على لعبة الدومينو، لكن دون "الخمسات" و"العشرات"[1]، في كل مساء يكون لي موعد مع ثلاثة شبان، رشدي وكمال وآخر يتغير حسب الحضور والغياب، غالبا ما يقابلني كمال في اللعبة، خياله أقرب إلى خيالي، وكنا دائما نفوز. نقتل السيس دوبلي في يد الخصوم. سحقا للسيس دوبلي والسينكو. نلعب ونضحك وأحيانا نغضب، بين بلانكا والسيس يتراقص الضحك والغضب، أرقص أيضا معهم، لكنني أرقص مذبوحا من ألم الانتظار، الزملاء يعمرون ويسقّطون للشقف لذة العسل وللعسل طعم الزقوم، وكذلك هي..، بوعلي نادرا ما يلعب بدون الخمسات، عندما لا يجد خصوما مخمسين يجلس في الزاوية، مائل الرأس إلى اليسار، متأملا لا شيء، لاعنا كل شيء، هادئ ورزين، يضحك مع الجميع، يشتم الجميع، صديق الجميع، إنه مثل القانون، لكنه يحمي المغفلين، والمتغافلين والذين في طور  التغفل، حتى الذين يضنون نفسهم فوق القانون يلعنهم بوعلي. أحيانا يبادر أحد ما ليسأل بوعلي عن أحواله، وعندما يكون في تبويقة تامة أو إلا الربع، يكون جوابه من كوكب أخر، أتأمل في حوارهم العبث:
ــ كيف حالك أبوعلي؟
بوعلي تحشش واستكان في زاويته:
ــ أحب المؤخرات.
تتعالى الصرخات والضحكات، الضحك بنكهة الكيف. يبتسم بوعلي في هدوء، يصمتون. بوعلي: علي الذهاب للاستحمام والاستمناء. تتعالى الضحكات من جديد، صارت المؤخرات والاستمناء موضوعا يناقش في تلك اللليلة، لا حرج ولا عيب، سيد العلماء في المغرب أيضا يحب نقاش الاستمناء. عجبا. كلهم أطباء وكلهم خبراء وعلماء، يحللون ويحرمون، يعدون الفوائد والمضار، والتجربة أصل النتيجة، لكن الشك له ديكارت وليس مقهى الميح. حوالي التاسعة يغادر رشدي وأغادر أنا، هو له أسرة وأنا لي موعد مع مسلسل وادي الذئاب، ولنا في الصباح معد مع الانتظار وألم البطالة


[1] - هناك من يلعبون بالمراهنة خمسة دراهم أو عشرة قمارا، ولم أكن ألعب معهم، كنت ألعب للمتعة فقط لا للكسب.