خربشات على جدار حديقة العار
ما من شيء سيشرق بعد أن تغيب شمس شبابي، الأيام سنوات والأسابيع قرون، أنا اليوم أكثر انحطاطا من أي وقت مضى، أعاني انحطاطا جسديا وعجزا، العصافير أمامي بغال والبغال ديناصورات، إفلاسي المادي يزيد من تعبي، لا طعم للقهوة ولا للشاي، نبتة النعناع زقوم، الملل كل الملل، لكنني سأكتب اليوم عن الانحطاط الأخلاقي في وطني-محيطي، عن الانحطاط بكل أنواعه، كل شيء هو انحطاط. لاشيء يسرني ويوائم مشهد عشرات الشباب من العاطلين ينبحون ولا يسمع صوتهم سوى قافلة من المارة البسطاء، وتستكمل القافلة المسير رغم نواح العاطلين. نباح فنواح فبكاء ويسود المصير، لست بعيدا عنهم، إن المسافة الزمنية بيني وبينهم ليست أكثر من قطع هذا الرصيف الذي يفصلني عنهم، رجال الشرطة معززين بالقوات المساعدة مستعدين لأداء المهمة، لا ينقصهم إلا الأمر فينفذ الواجب، فيهم من كان بالأمس في الجامعة من أشد الرفاق كرها للبوليس والبولسة، المبادئ مثل الملابس وأقل ثمنا. أنتظر بشوق لحظة الرفس والركل والضرب والشتم، أحب انحطاطهم الأخلاقي وإخلاصهم المزيف، وقفة اليوم ليست كسابقاتها؛ أعلام غزة وفلسطين، وأشلاء الأطفال تملأ اللوحات المرفوعة، لا شيء يتحرك في داخلي، أنا واحد من الموتى، ربما حي أتنفس بدليل هذه الكتابة، لست حيا أبدا، سبعة عشر عاما من فصول حياتي مرت بين الذهاب والإياب؛ مدارس فثانويات فكليات، وحصادي شهادة لا تسمن ولا تغني من بطالة، هل شقيت كل هذا الزمن من أجل إمضاء على الورقة، يجوز للبعض مواساتي؛ الخير فيما اختاره الله، الخير فيما اختاره الله. نعم. لكن من قال لكم إن الله اختار لي البطالة، أو اختار لأفلاطون الإعدام، أو اختار للنبي زوجا طالحا أو ولدا. لا أدري، ولا أدري هل تدرون. البطالة موت مع الإبقاء على حق الجسد في الإحساس بالألم، بالوخز والجرح لا غير.
  الموت من جنس الزواحف، والإنسان من جنس القردة، مع تعديل طفيف على الداروينية؛ أصل القرد إنسان وليس العكس. دوار في رأسي وضجيج؛ مرآب سيارات وإسكافي وصانع تقليدي، كلهم في رأسي، أتقيئ فلا يخرج من فمي شيء، أكاد أسقط بعد كل خطوة، لم أعش هذا الانحطاط حتى في حالتي شربي أجود الخمور بلا خليط غازي، أنتم تفهمون يا سادة الكأس وأخر الليل، أكافح من أجل الوقوف، الأحلام أصبحت من طينة أخرى، أنا الذي كنت أحلم بريش النعام والزمرد والحرير لنسوتي، الآن أصبح حلمي أن أقف كالآخرين؛ كالقطط والكلاب سعيا وراء غاية، لا تكون غايتي في أغلب الأحيان إلا قطعة أرضية، فأحلم وأحلم بتحويلها إلى قبر أرقد فيه بلا عودة، بلا قيام، هذا الانحطاط الجسدي يرافقني إلى الحمام والمرحاض، لست سوى نسخة من أصلي. يحدث لي أن أشتهي أحيانا أن أكون أنا، لكن رحل أنا، قبل ميلاد هذه النسخة المزيفة،  إلى حيث لا عودة، حيث الأحلام والعيش على ضفاف الماضي، أفضل البقاء بعيدا عن نفسي، الخصمان بينهما حجاب، الحياة المنعمة حجاب بيني وبين نفسي. تبا.
في زمن الانحطاط هذا أصبح التمساح إلها. وفي ذكرى زمن قادم حدثني قديما عبد التمساح عن علبة ليل وهو يصرخ:
ــ لقد وجدت ما وعدت حقا فزاد إيماني.
ــ ماذا وجدت يا عبد التمساح؟
ــ (يصرخ) وذللت قطوفها تذليلا.
ــ وهل طاف عليكم الولدان المخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين؟
ضحت في صخب فعلمت انه منسجم مع نفسه عكسي تماما.
ــ نعم نعم لقد طاف علينا ولدان مخنثون بأكواب وأباريق وكأس من لعين.
وهل أتيتم حرثكم أنى شئتم في دنياكم؟
ــ نعم. لا. لقد أتينا حرثنا لكن ليس أنى شئنا وإنما أنى شاء الحرث (ضحك وضحك وضحك)
طوبا للحارث والمحروث فيه وهنيئا للمحراث والفلاح. سيكثر النسل من عباد التمساح.
هؤلاء عباد التمساح يمشون على الأرض فسوقا وفجورا، وعباد الرحمان يمشون في الأرض هونا وخوفا وطمعا.
تذكرت هذه الذكرى، وتذكرت أنه عرض علي اعتناق التمساحية مقابل المال والحسان من النساء، لكنني رفضت قائلا: لكم دينكم ولي دين.
أقاوم انحطاطي وأخطو ببالغ الصعوبة والألم، أحث نفسي على الصبر فتغرر بي أم كلثوم (للصبر حدود) فأتذكر ديني إني لست من عباد التمساح، فيصير الصبر مفتاح الفرج، ومع الفرج قد يأتي الفرج.
بعيدا من ذلك الصخب، وفي طريقي إلى البيت وجدت خروفا واقفا في منتصف الطريق، خشن الصوف دائري القرنين، ضخم الخصيتين، تبارك الله، بارز الصاروخ متدل نحو المصير-الأرض، خلفه عدد غير يسير من السيارات ينتظرون إذنه بالمرور، ظل واقفا شامخا غير عابئ بهم، معظم السيارات مرقمة في الدول الغربية، ربما لو كان مغربيا لعجل بعيد الأضحى، ولقسم ظهر الخروف. إنه خروف عنيد، عنيد، مثلي تماما، نظر يمينا ثم يسارا، رفع ذيله وتبرز حبات سوداء، قطع حشيش، زين بها الطريق الرابط بين إمزورن والحسيمة، هدية للقادمين من خلف البحر، ثم واصل سيره وواصل عباد الخروف سيرهم.
انحطاطي ليس له حدود، ربما ستنتشلني الدكتوراه من هذه البطالة فتؤجلها إلى أجل مسمى، لكن من ينقد عباد التمساح وعباد الخروف، وعباد الرحمان لهم منقذهم كما للكعبة رب يحميها. التمساح يزحف على بطنه والخروف ضخم القنابل عريض الصاروخ والله غفور رحيم.

0 التعليقات:

إرسال تعليق