العشق والجامعة والتخرج (قصة بين الواقع والتخييل)



العشق والجامعة والتخرج
(قصة بين الواقع والتخييل)
  نظرت إليه بمرح وبشاشة ثم مدت يدها ولامست خده بأناملها. انحنت إليه فقبلته. ابتسمت كالمجنونة ثم استدارت  متجهة صوب غرفتها، وبرشاقة وخفة أخذت منشفتها الحمراء وأسرعت عائدة إليه. تماما كما كانت تفعل في الحي الجامعي لا تخلف الوعود. أغلقت بعدها الباب وعلقت المنشفة في مكانها وبدأت تنزع ثيابها قطعة قطعة وجسدها يطل طرفا طرفا، تتلوى تتحرك كما لو أنها ترقص. تحاول إشعال نار العشق من جديد في جسدها الذي بدأ يتجعد ويحوم حوله النمل بدل النحل.
    دنت منه بصمت وهمست في أذنه
ــ ها أنا. أنا لك الآن. تذكر شيئا من حياتنا في وجدة. هناك في منزلك حيث تكتري وكنت تلح علي أن أرافقك. هناااك....
قبلته ثم انصرفت إلى رشاش الماء، انشغلت لوهلة وهي تغتسل وتفرك شعرها الخشن مثل نبات السدرة، كانت متجانسة مع ذاتها تكرر تارة مقطعا موسيقيا وتارة أخرى تضحك وتلتفت إليه مكشرة على أسنانها الضبعية وعاضة على شفتها السفلى في منظر يشبه الأستعداد للإنتقام.
لم يكن يبالي لوجودها، ضل غارقا في صمته وقطرات من بخار الحمام تنزلق من على رأسه.
توقفت فجأة عن الإستحمام ودنت منه
ــ مابك. ألم تعد تحبني ؟ أنت الذي عرضت علي أن أكون حبيبتك والآن تتهرب مني .يا لك من جبان
صرخت في وجهه ثم تراجعت إلى الوراء، أسندت ظهرها للجدار الموازي غير عابئة برشاش الماء الذي ملأ الأرض ولا بصمته الصنمي. بعد لحظة رفعت رأسها وراحت تحكي قصتها وهي تمزج بين فرحة الماضي وآلام الحاضر، تستنشق البكاء وتزفر بالإبتسامة :
أنت الذي عرضت علي الذهاب معك إلى المنزل، أغويتني بدرهمين من الرغيف وكأس شاي، ثم جعلتني أستلقي في حضنك وأنت تقبل ثغري وتعري جسدي. هل نسيت كل هذا. هل تذكر بيتك في حي بوعرفة؟ هناك فتحت رجلَيْ كأنك كنت تفتح البطيخ وليس الشرف.
توقفت قليلا تبكي حالها ثم واصلت.
 ومصصت نهدي وضممت إلى وعدك وعدي، كنت أصدقك طبعا بغبائي البركاني المعهود. كنت أبخل على نفسي وأمدك كل أسبوع بالدراهم لتحصل على تذاكر المطعم في الحي الجامعي، كنت تقول (تردهم فساعة الخير) أين ساعة الخير مازلت أنتظرها كمن ينتظر شيبا على رأس الغراب. كنت تتحجج بفقرك وتعدني أنك لست مفارقي أبدا وأنك ستعود لخطبتي حين تتحسن ظروفك.
تبكي وتنتحب، انزلقت بظهرها مع الجدار حتى الأرض فتقرفصت عارية. وضعت راحة يدها على أسفلها فصرخت
ــ هذا كل ما أملك. هل تذكر يوم ذبحتني، كنت تقول أنه لم يحدث شيء وأنك ستتزوجني وستفعل ما بوسعك، لكنك ذهبت ولم تعد تنظر إلي من يومها تنكرت لي ولجسدي حملتني على الفرار من الجامعة العار.
راحت تحرك نهديها بجنون وتصفع رأسها وتبكي في صراخها:
ــ انظر لم يتغير شيء أنا كما هي، أعد نفسي كل لحظة منتظرة قدومك، أو على الأقل رسالة منك. آثار عضك ومصك لازالت عالقة في عنقي، وصوتك يسكن أذني وصورتك لا تفارقني، من أنت بحق السماء كيف استعبدتني وسرقت حياتي بلا خجل. كيف نسيت أيام كنت أدفعك لتقوم من فوقي ولا تريد. أيام كان لسانك مثل منشفتي. أيام كنت ترضع من نهدي ولا تمل منه ولا من وجهي البشع ...
       جمد حريق نفسها قليلا، وضعت وجهها بين راحتيها وهي تئن. استغرقت وقتا وهي تفكر فيما آلت إليه. بالأمس كانت سيدة نفسها وعشيقها لا تلقي بالا لغير الضحك والسهر منتظرة يد الله تمطرها بالمنحة  حتى يمتلأ البيت خمرا وخضرا ودجاج وحلوى وقبل وهي تميل حيث مالت الرياح.أما اليوم فهي سجينة بيت أبيها لا تفارق المطبخ والصالون لا تنظر إلى الحياة إلا بنظارتها السوداء  لم تكسب شيئا من الجامعة سوى تلك الليالي الجميلة رفقة حسن وهي تنعم بذلك الجسد القذر، والتي تحولت اليوم إلى كابوس يطاردها نائمة ويقظة.
 انتصبت واقفة ودنت منه بخطوات ثقيلة ويدها ترتعش كما لو أنها ستزج في قفص يحوي ألف سبع وستتطاير أشلاؤها في رمشة عين.
ــ الآن قل لي يا حسن لماذا لم تأتي لخطبتي، فأنت الآن شرطي ولك راتب قار. لم يعد لك عذر لتتركني أواجه المصير الذي خططنا له معا. لماذا لم تفي بوعدك كما وفيت أنا بوعدي.
هزت رأسها وايتسمت في جنون ، لم أفي بوعدك لكن لم يأتي غيرك.
 قهقهت. أمسكته من شعره وهي توجه له اللوم: أعلم أنك عيينت في إمزورن وأنك تنعم بجو الحسيمة الجميل، أما أنا فقد خرجت من قاموسك تركتني لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. هكذا يا حسن نصيرة أصبحت لا شيء.
قطعت الصورة قطعا قطعا  وألقت بها أرضا لتذوب ويذوب معها حلمها بالحياة والزواج من حسن، لقد أضاعت أخيرا أخر ذكرى تربطها به، تركتها تمتص الماء والصابون  واتجهت صوب قارورة صغيرة أحضرتها لهذه المعركة.
ابتلعت مسحوق الفئران وسقطت جثة هامدة ليوقع الحمام شهادة التخرج.

0 التعليقات:

إرسال تعليق