العشق والجامعة والتخرج (قصة بين الواقع والتخييل)



العشق والجامعة والتخرج
(قصة بين الواقع والتخييل)
  نظرت إليه بمرح وبشاشة ثم مدت يدها ولامست خده بأناملها. انحنت إليه فقبلته. ابتسمت كالمجنونة ثم استدارت  متجهة صوب غرفتها، وبرشاقة وخفة أخذت منشفتها الحمراء وأسرعت عائدة إليه. تماما كما كانت تفعل في الحي الجامعي لا تخلف الوعود. أغلقت بعدها الباب وعلقت المنشفة في مكانها وبدأت تنزع ثيابها قطعة قطعة وجسدها يطل طرفا طرفا، تتلوى تتحرك كما لو أنها ترقص. تحاول إشعال نار العشق من جديد في جسدها الذي بدأ يتجعد ويحوم حوله النمل بدل النحل.
    دنت منه بصمت وهمست في أذنه
ــ ها أنا. أنا لك الآن. تذكر شيئا من حياتنا في وجدة. هناك في منزلك حيث تكتري وكنت تلح علي أن أرافقك. هناااك....
قبلته ثم انصرفت إلى رشاش الماء، انشغلت لوهلة وهي تغتسل وتفرك شعرها الخشن مثل نبات السدرة، كانت متجانسة مع ذاتها تكرر تارة مقطعا موسيقيا وتارة أخرى تضحك وتلتفت إليه مكشرة على أسنانها الضبعية وعاضة على شفتها السفلى في منظر يشبه الأستعداد للإنتقام.
لم يكن يبالي لوجودها، ضل غارقا في صمته وقطرات من بخار الحمام تنزلق من على رأسه.
توقفت فجأة عن الإستحمام ودنت منه
ــ مابك. ألم تعد تحبني ؟ أنت الذي عرضت علي أن أكون حبيبتك والآن تتهرب مني .يا لك من جبان
صرخت في وجهه ثم تراجعت إلى الوراء، أسندت ظهرها للجدار الموازي غير عابئة برشاش الماء الذي ملأ الأرض ولا بصمته الصنمي. بعد لحظة رفعت رأسها وراحت تحكي قصتها وهي تمزج بين فرحة الماضي وآلام الحاضر، تستنشق البكاء وتزفر بالإبتسامة :
أنت الذي عرضت علي الذهاب معك إلى المنزل، أغويتني بدرهمين من الرغيف وكأس شاي، ثم جعلتني أستلقي في حضنك وأنت تقبل ثغري وتعري جسدي. هل نسيت كل هذا. هل تذكر بيتك في حي بوعرفة؟ هناك فتحت رجلَيْ كأنك كنت تفتح البطيخ وليس الشرف.
توقفت قليلا تبكي حالها ثم واصلت.
 ومصصت نهدي وضممت إلى وعدك وعدي، كنت أصدقك طبعا بغبائي البركاني المعهود. كنت أبخل على نفسي وأمدك كل أسبوع بالدراهم لتحصل على تذاكر المطعم في الحي الجامعي، كنت تقول (تردهم فساعة الخير) أين ساعة الخير مازلت أنتظرها كمن ينتظر شيبا على رأس الغراب. كنت تتحجج بفقرك وتعدني أنك لست مفارقي أبدا وأنك ستعود لخطبتي حين تتحسن ظروفك.
تبكي وتنتحب، انزلقت بظهرها مع الجدار حتى الأرض فتقرفصت عارية. وضعت راحة يدها على أسفلها فصرخت
ــ هذا كل ما أملك. هل تذكر يوم ذبحتني، كنت تقول أنه لم يحدث شيء وأنك ستتزوجني وستفعل ما بوسعك، لكنك ذهبت ولم تعد تنظر إلي من يومها تنكرت لي ولجسدي حملتني على الفرار من الجامعة العار.
راحت تحرك نهديها بجنون وتصفع رأسها وتبكي في صراخها:
ــ انظر لم يتغير شيء أنا كما هي، أعد نفسي كل لحظة منتظرة قدومك، أو على الأقل رسالة منك. آثار عضك ومصك لازالت عالقة في عنقي، وصوتك يسكن أذني وصورتك لا تفارقني، من أنت بحق السماء كيف استعبدتني وسرقت حياتي بلا خجل. كيف نسيت أيام كنت أدفعك لتقوم من فوقي ولا تريد. أيام كان لسانك مثل منشفتي. أيام كنت ترضع من نهدي ولا تمل منه ولا من وجهي البشع ...
       جمد حريق نفسها قليلا، وضعت وجهها بين راحتيها وهي تئن. استغرقت وقتا وهي تفكر فيما آلت إليه. بالأمس كانت سيدة نفسها وعشيقها لا تلقي بالا لغير الضحك والسهر منتظرة يد الله تمطرها بالمنحة  حتى يمتلأ البيت خمرا وخضرا ودجاج وحلوى وقبل وهي تميل حيث مالت الرياح.أما اليوم فهي سجينة بيت أبيها لا تفارق المطبخ والصالون لا تنظر إلى الحياة إلا بنظارتها السوداء  لم تكسب شيئا من الجامعة سوى تلك الليالي الجميلة رفقة حسن وهي تنعم بذلك الجسد القذر، والتي تحولت اليوم إلى كابوس يطاردها نائمة ويقظة.
 انتصبت واقفة ودنت منه بخطوات ثقيلة ويدها ترتعش كما لو أنها ستزج في قفص يحوي ألف سبع وستتطاير أشلاؤها في رمشة عين.
ــ الآن قل لي يا حسن لماذا لم تأتي لخطبتي، فأنت الآن شرطي ولك راتب قار. لم يعد لك عذر لتتركني أواجه المصير الذي خططنا له معا. لماذا لم تفي بوعدك كما وفيت أنا بوعدي.
هزت رأسها وايتسمت في جنون ، لم أفي بوعدك لكن لم يأتي غيرك.
 قهقهت. أمسكته من شعره وهي توجه له اللوم: أعلم أنك عيينت في إمزورن وأنك تنعم بجو الحسيمة الجميل، أما أنا فقد خرجت من قاموسك تركتني لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. هكذا يا حسن نصيرة أصبحت لا شيء.
قطعت الصورة قطعا قطعا  وألقت بها أرضا لتذوب ويذوب معها حلمها بالحياة والزواج من حسن، لقد أضاعت أخيرا أخر ذكرى تربطها به، تركتها تمتص الماء والصابون  واتجهت صوب قارورة صغيرة أحضرتها لهذه المعركة.
ابتلعت مسحوق الفئران وسقطت جثة هامدة ليوقع الحمام شهادة التخرج.

ذاكرة عاطل




ها أنا ذا أتبخر. تتبخر أحلامي الوردية التي إمتطيتها منذ سنوات. أقص شريط العطالة اقدس الورق المقوى و إمضاء العميد و الرئيس اختلط في ذهني  الفاعل بالمفعول. ظرف الزمان بالمكان. لم أعد أميز بين الملفوظ و الملحوظ. المكتوب و المرموز. ما كان يقوله كريم و مريم في سنوات بداية الإبتدائي. هو نفسه يقوله  فرويد و كانط و كاسيرر في الثانوي. و ديريداو اكريستيفا و أخرون في الجامعة. لا فرق البتة بين الكلمات، الفلسفة،  الشعر، المقامة لا فرق بين بثينة جميل و سميرة البارودي. ولا بين مذهبة امرئ القيس و دهقانة جرير.مدينة صلاح وأرض اليوت.القداسة للمنزل وحده.
     أبحث عن تذكرة إلى الحسية لأتخلص من حرارة وجدة الحارقة. من المحطة النتنة.من المرآة العجوز صاحبة السجارة الرمادية و اللسان السليط. بائعة الماء. حقيبتي ثقيلة لا ثمين فيها إلاجلدها و الشهادة. جسدي في تراخ دؤوب. دوار و دوخة. تقيؤ و دموع. خيوط  صفراء قاتمة تربط لساني بالأرض. بالمصير.  شرود. هل سأعود إلى ًالموقفً ليشتري المقاولون عضلاتي بثمن بخس. سأجلس هناك منتظرا على حافة الطريق متأملا فيلق الذباب يهاجم بدون استراتجية رأس سمكة متعفنة .
    أخشى على الوجود من التاريخ. التارخ الذي قد يجترني يوما و يبسق بي على وجه الحاضر. وقد يتناسى وجودي فأتجمد في قعر العدم وأتعفن مع البقايا أنتظر لاشيء. أحس بكل شيء من خلال لاشيء. كم هو قاس أن تصاحب الكراسة و القلم لمدة عقد و نصف العقد من الزمن ثم تعود لتحمل أكياس الإسمنت من الطابق السفلي إلى الطابق اللانهائي. هذا إن كنت محظوظا. سأظل أختار و أختار ولن أجد ما أختار. إختر في الجراء تأخد كلب. 
 هل سأعيش بالخبز الحافي في زمن الأخطاء في زمن الجنس و الحانات و العربدة و قانون الغابة؟هل سأزيح عن الخمر قداسته و أدنسه بلساني ؟ إنها حياة لا تليق بي لا أليق أنا بها. لها أسيادها و أنا لست منهم. أنا لي أمي و أبي و إخوتي. تؤطرني العقيدة لكن ما الحل ؟ لا أستطيع أن أعيش  مع صخرة سيزيف يجب أن تنال الصخرة حقها من الراحة. لا أريد أن يصبني ما صاب كيخوت. ولدت مقاوما و سأموت مجاهدا. لن أرضى بالإستسلام المهراني. حتى إن بترت جوارحي يجب أن أزحف إلى قمة الجبل حيث الطير و العين الإلهية وحدهما من ستشهد على جريمة استسلامي. لن أفر إلى المقبرة. لن أعود إلى وجوه شكري التي طمسها التاريخ تحلم وتعيش بعيدا عن حلمها. يجب أن ينال الحلم حقه في الواقع إنه وريثه الشرعي. ما جدوى الحياة إذن؟مادامت الزهور التي توضع على القبور هي نفسها نتبادلها في المناسبات السعيدة. والأم التي تزغرد فرحا  في عرس إبنها البكر هي نفسها تزغرد في وفاة إبنها العازب المدلل. لا فرق بين الأصوات بين الألوان. كيف نعزل دويلة الفرح إذن عن امبراطورية الحزن؟
آه. مأوى فقراء الطاهر بن جلون لم يتبقى به إلا عجوز تعيش بين الحمق و العقلانية على حافة الوجود. تذبح الجرذان لتطعم القطط. ولماذا لا تذبح القطط لتطعم الجرذان؟ لم يعد لها في الوجود مهمة سوى حفظ قصص المتشائمين و البؤساء و سردها على الغرباء. لكنها  سعيدة. هل يجوز أن أعيش مثل هؤلاء الذين تحكي عنهم؟مثل إيدي و جينو تبادلا الحب لكن لكل واحد منهما هدفه من هذا الحب. مثل ماركو أو مومو. لا. مثل من ؟وليس سعادتي ولا هوايتي أن أجمع الطوابع البريدية. ولا أن أجمع أشياء تافهة في الصندوق العجيب ثم أعود لأحكي عنها. أنا لست الصفريوى. لكل طريقته في السعادة. في الحياة. حتى امرأة النسيان التي خرجت من  قمقم لعبة النسيان  وجدت نفسها محكومة بالموت. إنها أضعف ما يمكن تصوره. جميعنا نعرف أن مخالب الموت لا مفر  منها.  لكننا نعمل للغد كما لو أننا نعيش للابد. لكن امرأة النسيان التي مضغ الزمان شبابها و جمالها و هضم أحلامها وبسقت بها على وجهها. لم تقاوم. لكن أنا لا أريد أن أختلي بنفسي و انتظر، يجب أن ابحث عنها الحياة أو الموت. لن أنتظر التابوت يطرق بابي كما فعلت هي. لا. إن الحياة التي تمتع الأثرياء وتكسبهم سعادة مزيفة  هي نفسها تمنح للفقراء و الغرباء ميزة يعيشون بها. أليس في موسم الهجرة إلى الشمال ما يشبه معجزة دنيوية لم  يكن مصطفى سعيد علم يقام له و يقعد. لم يكن يرحب به الالاف حين يحل في محل. لكنه كان- بسمرته- يعد و يتناسى الوعود بخطف القلوب و يرسم لها الطريق إلى الجحيم الابدي هي ميزته إذن. له وحده هذه هي سعة الحياة. تحمل في كفها جملا بحالة نملة. ربما لإنها تزن بالارواح لا بالاحجام. لكن هذا لا يسمح  لي بأن أنتظر يوما التقي فيه ديناصورا في شارع من شوارع الحسيمة. الحياة حين تمل من شيء لا تعود إليه. كما انها لا تعترف بالمدللين، ليسوا مستقبلها  ترفضهم تقتلهم ببرودة كلما اشتمت منهم رائحة الخوف. إنها في حاجة إلى القساة. الذين يكافحون  من أجل سعادة قصيرة. أبيقورية. التي تخرج من بين المشكل و المشكل. لكن دماغي سلسلة معقودة من المشاكل ليس يعزلها عن بعضها برزخ. فهل أنا محروم من السعادة إذن؟ ديكارت الذي لا يشك في أنه يشك و يشك فيما دون ذللك غادر الوجود و ترك الآخروين يفتشون في أوراقه. و أنا لا يهمني . إنه يشك إذن لم يكن سعيد قط . هكذا أفكر. الشك طريق اليقين عند ديكارت،و أنا أرى الشك مرصاد السعادة.
    تختلف طرق السعادة لتنتشر الرحمة. لكنها الأن موصدة مهما فعلت و فعلت سيظل الخبث في كل شيء. إنه الصورة الأخرى للشيطان. هذه الحياة أمقتها. أحبها تعذبني بالمتعة. تستفزني. تجعلني مع عبد النور في ورثة الإنتظار. ولا أنفك مع همس النوايا مع بوزيان. أما عربوش فإنسانه الصفر يعيش قمة الواقعية إذا أردت أن تشتري ًبوحبة عليك أن تجرب طلقة في شخص ما. مهما كان  إنه صفر. الموت هي الحياة هذه الحياة تمتلئ  بالدناءة والدناءة الممتعة. للديك مع زفزاف بيضة. إنها إهانة له. للديك. هجاء.ما أجمل الديك بصفته الرجولية لا بالانوثة. و الحياة هي للعيش هكذا يقول العقل و ترضى الشريعة. لامحاولة عيش فقط؛ كأن يلتقط الطفلان شريحة لحم الحلوف و يلتهمانها متجاوزين بذلك الحرام و الحلال. الحلال هو ما تقوى على فعله مهما كان و الحرام ما تعجز عن فعله مهما كان. أنا مسلم . لكن هذا هو المتداول، و نحن سنسعد كل السعادة إذا كانت لنا أفواه واسعة في العلم و الحلم ليس أفواه واسعة لابتلاع الصراصير و المازوت قصد التحشش. و متعة العين تكتمل بالزرافة الساعية الحية  لا بالمشتعلة؛الأخيرة رمز المأساة. الإحتراق هو المسافة بين الوجود و العدم.  وأنا في حاجة إلى ضوء قار أستنير به في ظلمات العطالة، و لن ينفعني الضوء الهارب في شيء، الوقت لا يسعني لملاحقته. خمسة عشر عاما و المحفظة تثقل كتفي. و  الآن أنا  في حاجة إلى لعب لعبة إسمها النسيان لأنني لم أعد أتذكر شيئا. ذهني فارغ. ممسوح. لا أقوى على كتابة سيرتي الذهنية ولا سيرة إدريس ما. و لا صبر لي لأتحمل متابعة سوزان في الشتاء الضوئي. ولا الإنتظار بشوق حل لغز الكوخ المهجور واكتشاف حقيقة أرسن لوبين. ولم تعد تهمني جريمة ملاك. و ألغاز أغاثا كريستي. حتى الأسود الذي تضنه أحلام يليق به قد لا يليق،فأنا بعيد عن السجون الجدرانية و شبوقات السياسة.
وأخشى التاريخ. بالنسبة لي هو ماض مدفون رغم أنه لم يدفق بعد. بل الحاضر هو المدفون في أحايين كثيرة. هكذا أنا أتعرض للتعذيب كل يوم. كل لحظة . و أنا أنتظر الوصول إلى الحسيمة. لي ذاكرتي،ذاكرة الجسد و ذاكرة  الروح. فهل سأعترف بهما مثل أي رجل وقح أو سأظل أخاف من؟ من الإعتراف انني عاطل و أيام عمري تنسل تزحف نحو العدم. نحو الأبدية. وأنا لدي فواتير كثيرة  لم أسددها بعد. كيف سأكف عن الجنون وأنا أتعذب كل يوم. كل لحظة. في المساء أقرأ قصص محتجزين لعقود من الزمن. والجريمة أن الحياة سلبتهم شيئا من عقولهم؛إنسان يعيش مثل حيوان. بل أقل بكثير وفي كرسي الإعتراف يطل الشيخ ليعد للجزر فوائد كثيرة بعيدا عن الطاجين و الكوكوت. وفي الصباح أقرأ بذاءة اللسان في رد تهديد خال من ماء الوجه. لاتتعاطف مع السجين أبدا. إسأل نفسك لماذا سجن؟إلا إذا قدم لك كان وأخواتها فحاول أن تعيد النظر. الحياة كائن حربائي، وإذا كانت الإقامة فوق حمام وتطل على الجوطية فأنت في دليل العنفوان.
   في الحقيقة طريق السعادة حاليا هو ألا أبالي بشيء،حتى بطفلة  مارغريت دوراس. ولا بمخالب متعة مرشد.
  ـــ واش امقطع؟
 ـــ أنا مقطع (بالوجهين)
فكرت؛ يجب أن أقرأ شيئا  في الحافلة حتى أنسى أنني عاطل ،وأنني لن أدخل باب محمد الأول مرة أخرى بصفتي طالب. ماذا أقرأ؟ صفحة الجرائم أو الملحق الثقافي ، الصفحة الرياضية أكرهها ، تذكرني بالتعذيب النفسي الشنيع الذي أتعرض له وأنا أشاهد مبارة للفريق الوطني؟؟ هذا المجتمع يقمعني يكبل عضلاتي ويفتح لي أبواب الشرود. الأفضل أن أتيه كما تهت وأنا أنتظر الإقلاع.لا. لن أصمت. يجب أن أصرخ. لا يعقل ان تتأكد زوجة القيصر أنها حبلى بأميرة أو أمير. وزوجة الفقير تخشى أن تكون حبلى بمجنون أو عاطل. أبدا. ليس هناك ديموقراطية حتى في الأرحام، والحق في الموت ممنوع. محرم. حتى شكري الذي عاش من أجل الحياة وحدها. ليس لشيء إلا لأنه ولد،ابى أن يقتل بطل السعادة وتركه في البحر وأنهى المسرحية.إنه بطل محكوم بالموت لكن لم يقتله. حتى ميمون المجنون صنع منه بطلا يعيش ولا يفكر في الموت. لكن شكري لم يمتع بطله بالإنتصار والنهاية السعيدة. إنه اختار الحل الوسط. سمح له بالعيش فقط لانه خلق لذلك. إن من الممل أن ننقذ الأبطال من مآسيهم ونمنحهم النعيم والغنيمة. إنها الكتابة المملة. إنها سخافة الأفلام والمسلسلات؛ أن تتابع بطلا يعيش حياة ظنكا وأنت تعلم أنه سيصبح سيدا. كيف يقرر المخرج أو الكاتب أن ينقذ بطله من الإعدام، بل من على المقصلة؟ كيف تتكرر المعجزات؟ الحياة عندما تصل نقطة الصفر لا تبدأ من جديد. إنها تبدأ مرة واحدة.نحن نعلم أن ثوب الجلباب خشن غير مرغوب فيه، وثوب التبان محبوب مطلوب. لا يمكن في هذا العالم أن يفر يوسف جديد من إغراء وجمال زليخة جديدة. ولا يونسا سيعيش في بطن الحوت، ولا نارا تتحول إلى برد وسلام. تلك أحداث منزهة. لا تتكرر. إنها للإعجاز. القدرة الإلهية وحدها تفعل ذلك. أما الآن فقد تحول كل شيء. حتى الشاعر الذ كان يكتب ديوان القوم يقول كل شيء – يضحك،يبكي،ويحكي،يمدح ويفتخر- في وزن واحد، أصبح يقول القليل في أوزان مختلفة وقد لا يزن. فهل تجاوز الحاضر الماضي؟ أم أن الحاضر قليل الصبروالجد ولا يجد مخرجا إلا الفرارإلى الحداثة؟ والمرأة التي كان همها الوالد وما ولد – المرأة الأيوبية ــ أصبح همها الوحل وتغيير اللون، ماتت للا الغالية وداهمها النسيان والدار الكبيرة قسمها لحلو بيوت بيوت. هكذا تتحول الحياة، يتيه الإنسان فوق التراب الذي شرب دم أول جريمة ليخفي أثرها لتتوالى الجرائم. العقول التي كانت تصدق أن سيدي شعيب ( الراعي المضطهد) مسح بيده على جلد البقرة - المهضوم لحمها في بطون الأسياد وضيوفهم – فاستوت أمامه البقرة من جديد فخر الجبابرة ساجدين طالبين العفو والصفح. كيف يصدقون هذا والأن يطلبون مني شهادة الحياة وأنا واقف أمامهم ؛أكلمهم. أصرخ وأبكي. لكن لست حيا في عقولهم حتى توقع السلطات على حياتي. أليست هذه قمت الإنحطاط؛ أن نصنع قانونا يقتلنا. لماذا نلقي بأنفسنا إلى التهلكة؟ ألا نعارض هنا أمرا إلهيا؟ الألولهية في السماء والشيطانية في الأرض؟   هل اللاهوت ملائكي فقط  والناسوت شيطاني؟ صراع الخير والشر هو صراع السماء والأرض أليست السماء تمطر من أجل الحياة والأرض تتزلزل من أجل الموت؟ شر الأرض إنسانها. وخير السماء ملائكتها.
شخير الحافلة وضجيج المدينة كادا يخرجاني من شرودي. عدت. لامفر لي إلا الصبر صبر ليلى لحلو التي أمرتني ألا أنسى الله. أما صبر أيوب فلن يتكرر.
توقفت الحافلة في بركان- عاصمة الذكاء- صعد شاب في مقتبل العمر إغتال شعره الأشعث ومعطفه البالي أناقته و وسامته. يحمل في يده صينية وينادي: قااوقاو التكرميلة. لن أقوقو لن أكرمل لن أنزل حتى في بركان. يا وريث قابيل من إبنه الأعمى. كدت أصرخ هكذا وأطلق مياه دموعي لتملأ قنوات وجهي المتجعد قبل أوانه. وبعد لحظة بدأت الحافلة تزحف بين البنايات. تأملت البرتقالة الإسمنتية الضخمة إلى أن تاهت الحافلة متسللة مثل أفعى  بين الصخور. قنطرة قديمة هشة وأخرى جديدة أكثر. خرير المياه هناك أتخيله ولا أسمعه. المغرب جميل لولا المغاربة هكذا قال العروي في غيلته على لسان عزيز سراج.
عاد العقل إلى التسأول ويا ليته لم يعد. هل سأعود إلى إمزورن لاقتعد كرسيا في مقهى ما هناك ليصبح مكاني الخاص ، أعرف به ويعرف بي .
من الأفضل أن أغفو. أن أنام قليلا.
إبتلعتني حافلة معاد في وجدة وتقيأتني في إمزورن بعدما إجترتني في الناظور.أجر حقيبتي وأمشي بخطى متثاقلة، سأصل إلى المنزل وسأخبرهم أنني عاطل.سأنطقها ووجهي في الأرض سأتقبل العزاء وأبكي.
    هذه ذاكرتي المشؤومة إلى حد بعيد. لما كانت تخالجني نطحت واجهة الحافلة. ولما أعدت كتابتها كادت تكلفني صلاة الجمعة.

إلى بني البشرية أبث حبي (محاولة شعرية.قصيدة نثرية)


إلى بني البشرية أبث حبي
أحكي قصصي
أخبركم أن..
أيام عمري تتزاحم
تكتض في عيني
تعج.. تتضخم..
تنفجر عيناي
تسيل الدموع دم
يكبر جرحي
يصير هم
تسيل دمائي
تتكاثر، تجاري يم
ألحقها مسرعا
تضيع في الحفر النتنة
أسعى مسمول العين
أنظفها.. عبثا أسعى
تخثرت.. تعفنت..
أصبحت دودا
ينخر عظامي
يغوص ألمه إلى كبدي
أضحت جمرا
أمست شوكا
يتسلل إلى قلبي.
هذه دمائي تفر مني ..
أقرف منها
أقاوم الرذيلة
أنثر من فوقي غبار الغرابة
تضمني
يعتصر قلبي
أريد الرحيل
نفذ صبري، كيف أطيل
أنت يا حبيبتي..قاومي
لا تأخذ من فشلي
أنا
إما بطن الحوت يؤويني
أو جبل الريف يفجرني.
نحيل في أعينكم
عبوس
تسخرون مني
تكبرون في عيني المسمولة
تخرجون أفاعي
أمدكم بودي
تقولون حثاله
أقول أبطال أنتم
تقولون منحولة
أرفع رأسكم
تمقتون الرجولة
يا بني جنسي
اين الفحولة
عريتم تراب الأرض
كشفتم صخرها
عوراتكم بادية كالمعز
تضحكون.
والأجدر البكاء.
ستتجرد السماء من زرقتها
ويظلم الضياء
ستبحثون عن ثيابكم الخرقاء
وتجدونها رمادا
أريد الرحيل...
مللت منكم.
وانتم تنزعون الثياب
فكيف أنظر إليكم؟
ترتدون الرذيلة.
تستعدون للغياب
في سواد الليل
وتحت رحمة الضباب.
الشمس ودعتكم
تضنونه الغروب
النار..
ترونها خمدت
أراها بداية النشوب
أريد الرحيل..
لأنني أكره الحروب
أحب الدماء المسفوحة
أما أنت حبيبتي...
فلك مني هذه
قاومي الجمود
كرري عشق الوجود
ضعي على قبري..
بذرة شوك
وانتظري الورود.